مقالات مختارة

عندما يكون الاختفاء القسري محل تواطؤ جماعي

يحيى الكبيسي
1300x600
1300x600
يعرف الاختفاء القسري بأنه: «الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون» (الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري 2006).

وكان نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998 قد عد جريمة الاختفاء القسري للأشخاص جريمة ضد الإنسانية، أي أنه عدها ضمن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. 

وعلى الرغم من انضمام العراق شكليا إلى اتفاقية الحماية من الاختفاء القسري في العام 2010، إلا أنه من الواضح تماما أن الحكومة العراقية غير معنية بإنفاذ هذه الاتفاقية، أو على الأقل غير مهتمة بمتابعة متطلبات الالتزام بأحكام هذه الاتفاقية من الناحية العملية! على سبيل المثال لا الحصر، قررت المادة 4 من الاتفاقية أن «تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة لكي يشكل الاختفاء القسري جريمة في قانونها المحلي».

ولكن المدونة القانونية العراقية ما زالت خالية من أية إشارة إلى جريمة الاختفاء القسري يمكن اعتمادها لمحاكمة مرتكبي هذه الجريمة! المثال الثاني يتعلق بأحكام المادة 17 من الاتفاقية التي نصت على أنه «لا يجوز حبس أحد في مكان مجهول»، وأنه يجب حبس جميع المحتجزين في أماكن معترف بها رسميا لكي يتيسر تحديد أماكنهم حمايتهم بقوة القانون. ولكن الحكومة العراقية، وعلى كانت وما زالت ترفض تماما الالتزام بذلك!

فتبعا لتقارير وزارة حقوق الإنسان، ظلت الحكومة العراقية ترفض إغلاق عشرات السجون غير القانوني، وعلى مدى سنوات! وقد احصى آخر تقرير صدر عن هذه الوزارة عام 2011، قبل أن يتم تسييس هذه التقارير بعد ذلك! أحصى 37 سجنا غير قانوني لا تتبع لوزارة العدل العراقية، التي تعد دستوريا وقانونيا الجهة الوحيدة المسؤولة عن مراكز الاحتجاز والسجون. وعلى الرغم من أن إغلاق هذه المعتقلات غير القانونية كان واحدا من مطالب مبادرة استعادة الثقة التي طرحناه على الحكومة العراقية في عام 2014، إلا أن رد الحكومة العراقية حينها لم تكن له إرادة حقيقية لإغلاق هذه المعتقلات، فتحدث عن «تشكيل لجنة» للتعاطي مع هذه المسألة!

واليوم لم تعد للدولة فقط معتقلاتها غير القانونية، بل أصبح للميليشيات معتقلاتها الخاصة! على أن المسألة الأهم التي وردت في الاتفاقية، وفي المبادئ التوجيهية المتعلقة بشكل محتوى التقارير التي يتعين على الدول الأطراف في الاتفاقية تقديمها إلى اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري المشكلة بموجب الاتفاقية، هي تلك المتعلقة بأن على الدولة الطرف «أن تضمن حق أي فرد يدعي اختفاء شخص ما في إبلاغ هذه الوقائع وفي أن يحقق فيها على نحو عادل ونزيه … فضلا عن معاملة مقدم الشكوى والشهود من إساءة المعاملة أو التخويف.

وينبغي أن تجري السلطات المختصة في أي دولة تحقيقات في قضايا الاختفاء القسري بحكم اختصاصها، أي ولو في حالة عدم وجود شكوى رسمية». فالحكومة العراقية على الرغم من التزامها اللفظي بإجراء التحقيقات في بعض حالات الاختفاء القسري الجماعية، مثل حادثة الرزازة التي اختفى فيها أكثر من 900 شخص قسريا على اقل تقدير، أو حادثة الصقلاوية التي اختفى فيها قسريا أكثر من 600 شخص! إلا أن نتائج مثل هذه التحقيقات لم تعلن مطلقا، تماما كما هي التحقيقات في عشرات القضايا التي لم يعرف أحد نتائجها حتى اللحظة! 

تاريخيا في العراق، كان الاختفاء القسري «أداة» سياسية استخدمتها حكومة البعث بشكل منهجي للتخلص من معارضيها، وفي بعض الأحيان كانت ثمة حالات اختفاء قسري جماعية، في محاولة للانتقام، كما في حالة الإخفاء القسري للبارزانيين، أو في محاولة لخلق حالة من الر عب والخوف، كما في حالة الإخفاء القسري للآلاف بعد فشل التمرد في جنوب ووسط العراق في أعقاب حرب تحرير الكويت. وقد كانت هناك عمليات اختفاء قسري، فردية وجماعية، طوال مرحلة ما بعد 2003، تحديدا في أعقاب تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في شباط/ فبراير 2006.

لم تكن الجماعات المسلحة وحدها الفاعل الوحيد لها، فقد كانت الدولة نفسها طرفا فيها، بالفعل أو بالتواطؤ! ولكن حالات الاختفاء القسري بدأت تأخذ مدى أوسع، وأكثر منهجية بعد سيطرة تنظيم الدولة على الموصل، كنتيجة مباشرة لتغول المليشيات العقائدية العاملة تحت مسمى الحشد الشعبي. والغريب أن عمليات الاختفاء القسري هذه، فضلا عن الانتهاكات المنهجية الأخرى: مثل القتل خارج إطار القانون، والتغيير الديمغرافي القسري، والتدمير والنهب الممنهج للممتلكات العامة (مصفى بيجي على سبيل المثال) أو الخاصة. تجري في ظل تواطؤ دولي صريح. فالمجتمع الدولي معني بمواجهة تنظيم الدولة حصرا، وليس معنيا بما يجري من انتهاكات في سياق هذه المواجهة!

ولإعطاء نموذج لهذا التواطؤ، نورد نصين من تقرير بعثة الأمم المتحدة يونامي الخاص بوضع حقوق الإنسان في العراق للمدة من كانون الثاني/ يناير إلى حزيران/يونيو 2016؛ يتحدث النص الأول عن اقتياد «عصائب أهل الحق نحو 500 إلى 550 رجلا من أبناء المكون السني … بمنطقة جزيرة تكريت، عقب عملية أمنية نفذتها قوات الشرطة الاتحادية بالاشتراك مع جماعات مسلحة، حيث أفرج عن جميع الإناث من السكان بعد فترة وجيزة … وحتى منتصف شهر آب/أغسطس كان مصير 400 ـ 450 من أولئك الذين اقتيدوا مطلع شهر آذار/مارس ما زال مجهولا»! 

أما النص الثاني فيكشف أنه: «في يومي 4 و5 تقريبا من شهر حزيران/يونيو [2016]، فر آلاف المدنيين من قريتهم من الصقلاوية بالقرب من الفلوجة … فاعترضتهم جماعة مسلحة مساندة للقوات الأمنية العراقية، حددها الشهود بانها من كتائب حزب الله. وقامت الميليشيا على الفور بفصل نحو 1500 من الرجال والصبيان المراهقين عن النساء والأطفال …

وفي يوم 5 حزيران تم فصلهم إلى مجموعتين؛ تتكون أحداهما من 605 رجال وصبي، والثانية من حوالي 900 شخص. بعد أن تم تسليم المجموعة الأصغر إلى السلطات الحكومية، بما في ذلك جثث أربعة رجال، تبين الصور التي التقطت لهم لحظة تسليمهم أن أيديهم كانت مقيدة، وبدا عليهم انهم تعرضوا للضرب حتى الموت…

وتم إعداد قائمة تضم 643 رجلا وصبيا مفقودين، فضلا عن 49 آخرين يعتقد أنهم إما أن يكونوا أعدموا تعسفيا أو عذبوا حتى الموت في أثناء الاحتجاز الأولي لدى كتائب حزب الله … وفي 6 حزيران أعلن رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، صراحة، عن تأسيس لجان للتحقيق… وأصدر أوامر صارمة لمحاسبة المسؤولين عن أي انتهاكات».

بعد مرور أكثر من 18 شهرا على حادثة الرزازة، و11 شهرا على حادثة الصقلاوية، لم يخبر رئيس مجلس الوزراء السيد العبادي أحدا بنتائج لجان التحقيق التي أعلن عنها! ولم يلاحق أو يحاسب أحد حتى اللحظة! ويتم التعاطي مع الجهتين المتهمين بتقرير أممي بمسؤوليتهما عن جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم على انهما «قوات شرعية» تحصل على أفضل وأحدث الأسلحة الأمريكية والأوروبية! ويعامل قادتها على انهم «زعماء» يجتمع بهم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لمناقشة الوضع السياسي والأمني! 

جاء في المادة 6 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري انه المسؤولية الجنائية تقع على كل من «يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها». كما أن هذه المسؤولية، وبالتالي المساءلة، تقع على من تعمد إغفال معلومات كانت تدل على وجود جريمة اختفاء قسري أو انه لم يتخذ التدابير اللازمة والمعقولة لأغراض التحقيق والملاحقة! فهل ثمة إمكانية حقيقية لتنفيذ ذلك؟


"القدس العربي"

1
التعليقات (1)
عبدالله العثامنه
الخميس، 18-05-2017 06:25 ص
أمريكا: أخفت العراق قسرياً؛ احتفت بها ايران.