كتاب عربي 21

مَلِكٌ يُتَوِّجُهُ النَّخيلْ

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
إلى أبناء سيناء المقتولين غيلة.. إلى شهداء الثورة المصرية الذين يغتالهم النظام خارج إطار القانون
إلى كل شهداء الظلم الذين يقتلون ظلما في العالم كله.

دَفَنُوهُ دَفْنًا لائِقًا 
وكَأَنَّهُ مَلِكٌ يُتَوِّجُهُ النَّخِيلْ..

النَّعْشُ مَلْفُوفٌ بلَوْنِ ضَميرِهِ
قالوا : "سَيُدْفَنُ في المَسَاءِ"
فَقِيلَ لَنْ يَرْضَى المَسَاءُ
فَقِيلَ : "يُدْفَنُ في الصَّباحِ"
فَقِيلَ لَنْ يَرْضَى
وأَجْمَعُ عَاشِقُوهُ بأَنَّ وَقْتَ الدَّفْنِ كَانَ مُخَصَّصًا لِوَدَاعِهِ
لا الوَقْتُ صُبْحٌ أو مَسَاءٌ
لا شُرُوقَ ولا غُرُوبَ
لَقَدْ أَتَتْ لِلْكَوْنِ لَحْظَةُ دَفْنِهِ
كَيْ لا تَعُودْ..

لا شَيْءَ في الأَوْقَاتِ يُشْبِهُهَا
لذَلِكَ سَجَّلُوهَا باسْمِهِ
حَتَّى تَظَلَّ النَّاسُ تَرْوِي في كَرَامَةِ دَفْنِهِ
فَتَقُولُ في وَجَعٍ جَميلْ:
"دَفَنُوهُ دَفْنًا لائِقًا 
وَكَأَنَّهُ مَلِكٌ يُتَوِّجُهُ النَّخيلْ"!

* * *

يَرْوي كِبَارُ الحَيِّ أَنَّ حَيَاتَهُ كَانَتْ قَصيرَةْ..

ويَرَى الشَّبَابُ حَيَاتَهُ امْتَدَّتْ
كَطَعْمِ العِشْقِ في تَمْرِ القَصِيمِ 
وقيلَ كَانَتْ ذَاتَ إيقَاعٍ بَطِيءٍ
ثُمَّ تُسْرِعُ 
ثُمَّ تُبْطِئُ
ثُمَّ يَأْتِي النَّحْلُ بالعَسَلِ المُصَفَّى
كَانَ يُعْطِي المُتْعَبينْ !
قَالَ الجَميعُ بِأَنَّهُ 
لَمْ يَسْتَشِرْ في المَنْحِ مَنْ يُثْنيهِ أو شَيْخَ القَبيلَةْ..

قَدْ كَانَ يُعْطِي
تِلْكَ غَايَتُهُ النَّبيلَةْ..

مَا زَالَ نَحْلُ الحَقْلِ يَذْكُرُهُ 
ويَذْكُرُ حَقْلَهُ
ورَحيقَ زَهْرَتِهِ الجَميلَةْ..

مَا زَالَ تَذْكُرُهُ الفَرَاشَةُ والخَميلَةْ..

كَوْنٌ مِنَ القَصَصِ النَّبيلْ..

يَحْكيهِ نُورُ الشَّمْسِ عِنْدَ شُرُوقِهَا
ويُعيدُهَا مَنْ وَقَّرُوهُ ووَدَّعُوهُ
ويَخْتِمُونَ السَّرْدَ مَشْدُوهينَ بالحَدَثِ الجَليلْ:
"دَفَنُوهُ دَفْنًا لائِقًا 
وَكَأَنَّهُ مَلِكٌ يُتَوِّجُهُ النَّخيلْ"!

* * *

قَالوا : "رَحيلٌ صَاخِبٌ"
مَعْ أَنَّهُ مَا زَالَ مُبْتَسِمًا بِنَفْسِ هُدُوئهِ
والأُمْنِياتُ كَأَنَّهَا قَدْ حَلَّقَتْ مِنْ فَوْقِهِ
عُصْفُورَةً أو نَوْرَسًا
لَمْ يُدْرِكِ القَنَّاصُ مَا سِرُّ ابْتِسَامَتِهِ
ولَكِنْ قَدْ تَلَعْثَمَتِ الرَّصَاصَةُ فَجْأَةً
لَمْ يَنْتَبِهْ مِنْ فِرْقَةِ الإِعْدَامِ خِنْزيرٌ 
ولَكِنْ حينَمَا ابْتَسَمَ الفَتَى بُهِتَتْ أَصَابِعُهُمْ
وفُوَّهَةُ المُسَدَّسِ أَصْدَرَتْ صَوْتًا كَمَا صَوْتِ الشَّهِيقِ
تَعَثَّرَتْ سَبَّابَةٌ فَوْقَ الزِّنَادِ
وتِلْكَ كَانَتْ فُرْصَةَ المَقْتُولِ
حَتَّى يَرْفَعَ السَّبَّابَةَ اليُمْنَى إلى السَّفَّاحْ..!

مَا زَالَ إِصْبَعُهُ يُشيرُ إلى طَرِيقِ الحَقِّ للسَّاري وللمَلاحْ..

سَبَّابَةٌ مِصْبَاحْ..!

تَتَعَدَّدُ الآرَاءُ في لَوْنِ القَمِيصِ
وكُلُّ مَنْ قَابَلْتُهُمْ قالوا: 
"تَعَوَّدَ يَرْتَدِي دَوْمًا قَمِيصًا أَبْيَضًا" 
واسْتَغْرَبَ الجَمْعُ المُوَدِّعُ كُلُّهُ 
هَذَا القَميصَ الأَحْمَرَ المَخْرُومَ مِنْ جِهَةِ اليَسَارْ !؟
سَارُوا إلى حَيْثُ اشْتَهَتْ سَبَّابَةُ المَلِكِ المُتَوَّجِ بالنَّخيلْ..

سَارُوا على دَرْبٍ طَويلْ..

حَتَّى إذا مَا أبْصَرُوا في الأُفْقِ مَدْفَنَهُ المُطِلَّ على حُقُولِ المُسْتَحيلْ..
دَفَنُوهُ دَفْنًا لائقا!

شعر: عبدالرحمن يوسف
التعليقات (3)
أيمن عصمان ليبيا
الأحد، 30-04-2017 10:18 م
أحسنت أستاذ عبدالرحمن ، لا شلت يمينك
المصرى أفندى
الأحد، 30-04-2017 09:52 م
الأستاذ الشاعر عبد الرحمن يوسف .. أحسنت .. شكرآ جزيلآ
عبدالحميد عمران
الأحد، 30-04-2017 07:58 م
أعليت قدر الشهيد ورفعت هامته لتطاول هامات النخيل .. لعل دماه التى روت ثرى سيناء تنبت موسى يقتلع فرعون من أرض مصر