كتاب عربي 21

سيناء.. لمصلحة من؟

طارق أوشن يكتب: سيناء.. لمصلحة من؟
طارق أوشن يكتب: سيناء.. لمصلحة من؟
بعد أن يتمكن الرائد حمزة أبو العزم من إحباط محاولة تهريب المخدرات التي يتزعمها سالم المسلمي تاجر المخدرات السيناوي، والإحاطة بالمهربين وبينهم سليمان، شقيق سالم المتهم بقتل الضابط يحيى أخ الرائد حمزة، قبل أن يتم "تحريره" من عربة الترحيلات إلى السجن، يوجه حمزة سلاحه في اتجاه سليمان الذي يختبئ وراء أخيه.

سالم: خلصنا يا باشا.. إيه؟ حتاخد ثارك من ضعيف؟ ثارك عندي أني.
حمزة: مش انت ايلي قتلت أخويا يا سالم.
أحد الضباط: (وينادي زميله وهو يوجه سلاحه في مواجهة حمزة) حمدي!
حمدي: حمزة! ايلي بتعملوا ده غلط يا حمزة.. نزل سلاحك يا حمزة.
يمتثل حمزة بعد فترة تردد وينزل سلاحه ليبدأ زملاؤه في اعتقال المهربين.
سالم: ما تخافش يا خويا..
وفي غمرة عملية الاعتقال يفاجئ حمزة الجميع مناديا: ساااالم!
و بمجرد استدارة الأخير، يطلق النار على سليمان ويرديه قتيلا.
يصرخ سالم بأعلى صوته وهو يبكي شقيقه الممدد على الأرض.

الغريب في الأمر أن لا أحد من الضباط، وفق سيناريو فيلم ( المصلحة – 2012) للمخرجة ساندرا نشأت، تطوع باعتقال الرائد المعتدي على "أسير" دون سلاح. يبدو أن فيلم ساندرا نشأت واحد من تلك الأفلام "المفبركة" التي لم يجد الجيش المصري ولا متحدثه العسكري ما يفند به ما احتوته من مشاهد صادمة ترتقي لدرجة جرائم الحرب.

الفيلم الواقعي...

أفراد من كتيبة بملابس الجيش المصري، تبين فيما بعد أنها واحدة من كتائب ما يسميه السيناويون "البشمركة" أو "الصحوات" بعد أن استعارت الدولة المصرية جزءا من خطط نوري المالكي بالعراق لتطبيقها بأرض سيناء بما يحيل على أن غرفة عمليات ما يرتب له في الشرق الأوسط واحدة، تتابعهم كاميرا رسمية للجيش وهواتف محمولة تسرب ما يخفيه أحدها فبدا المشهد مروعا لا تصدقه عين.

يسحب أفراد الكتيبة عددا من "أسرى" سيناويين، كانوا إلى عهد قريب مختفين قسريا بعد اعتقالهم من طرف قوات الأمن والجيش المصريين، فردا فردا لتتم تصفيتهم ببرودة دم وسط تعليمات لم تخرج عن عبارة: بلاش الدماغ بس يا.. بلاش الدماغ بس.

لم يتدخل أحد من مرتدي البزة العسكرية النظامية ليمنع ما يجري كما فعل الضابط حمدي في مواجهة زميلة حمزة في مشهد فيلم (المصلحة). بل تكاثفت جهود الزملاء لتكييف مسرح الجريمة على أنه ساحة حرب وقتال "تمكنت خلالها القوات من استهداف واحدة من أخطر البؤر الإرهابية المسلحة بمنطقة التوما بقطاع الشيخ زويد ونجحت في القضاء على ثمانية من العناصر التكفيرية خلال اشتباكات شهدت تبادلا مكثفا لإطلاق النيران مع قوات المداهمة" كما جاء في بيان المتحدث العسكري في وقته.

لمصلحة من تتم التصفيات والإخفاءات القسرية وإجلاء السكان وتدمير المنازل من سيناء الجنوبية؟ ولمصلحة من تزرع القوات المصرية الضغينة والبغضاء بين أبناء سيناء الذين وزعتهم بين "إرهابيين" و"صحوات"؟

لم يعد خافيا على أحد حجم المخطط الذي صار يوصف بصفقة القرن التي يتم الترويج لها محليا ودوليا كسبيل أوحد لحل القضية الفلسطينية بل لضمان أمن إسرائيل. فمنذ اليوم الذي سمحت فيه دولة الاحتلال بإدخال مدرعات وأسلحة ثقيلة تابعة للجيش المصري، على غير ما تنص عليه اتفاقية كامب ديفيد، مع فتح أجواء المنطقة للطيران الإسرائيلي دون رادع، كان التوجس مشروعا من ترتيبات جديدة يتم التحضير لها مع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الخزان الاستراتيجي الجديد لإسرائيل.

توالت المقترحات منذ مدة تبشر بعهد جديد تمنح فيه مصر جزءا من سيناء لتضم إلى قطاع غزة كدولة فلسطينية مستقلة وفق خطة الجنرال جيورا أيلاند في إطار حل الدولتين وهو ما كشف تسريب للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك عن رفضه له قبل أن يحييه السيسي وزيرا للدفاع وبعدها منقلبا مستأثرا بالحكم.

ظهور ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة كجماعة "إرهابية" في عهد مكافحة الإرهاب الدولي، ما هو إلا بند من خطة استهدفت منح الجيش المصري وداعميه الذريعة لتنفيذ بنود الخطط المرسومة بعد أن مارست الدولة المصرية كل أشكال التمييز لدفعهم إلى حضن التنظيم، وبالتالي محاصرتهم باسم الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب.

ولعل في ما تسرب من طلب وجهه قائد الانقلاب إلى دونالد ترمب بالمساعدة على قصف "الإرهابيين" بسيناء في وقت لا يكف فيه عن التباهي بإنجازاته هناك أمام المصريين، لدليل على أن الخطة مرت إلى السرعة القصوى ما دامت الظروف تكاد تكون ناضجة لقطف ثمارها.

لنعد إلى (المصلحة) والتسريب..


يخبر أبو فياض رئيسه سالم المسلمي أن طائرات لقوات الأمن في طريقها إلى حيث مزرعة البانجو.
سالم: أيوه يا أبو فياض.. الله.. هي الداخلية عايزة مننا ايه؟ اشتبكوا معاهم
أبو فياض: ونشتبك ليه يا سالم.. ده حيالله مزرعة بانجو لا راحت ولا جات.. حيولعوا فيها ويمشوا.
سالم: اسمع.. الداخلية لازم توقف عند حدها.. أنا عايزها مجزرة.

في الوقت ذاته يصلي ضباط شرطة جماعة قبل الخروج في مأمورية سيناء بعد أن يتأكد رئيسهم أن لا حراسة على المزرعة وأن لا مناطق سكنية بالقرب منها تفاديا لسقوط مدنيين، وهو جاهل لما يحضر له السيناوي الشرير سالم.

بعد معركة ضارية يقترب الرائد حمزة أبو العزم من جسد ممدد على أرض "المعركة" فيفاجأ بطفل يوجه إليه سلاحا. الاثنان بسلاحهما وجها لوجه.

حمزة: ارم سلاحك يا ولد..ارم السلاح بأقولك.. بقولك ارم السلاح.
بعد تردد يرمي الطفل سلاحه ويجري بعيدا دون أن يؤذيه الرائد الطيب، لكن زميله يتعرض لإطلاق رصاص من "مواطني" الطفل المختبئون في الجبال ويردونه قتيلا.
في الواقع كان المشهد، كما وثقه التسريب، كالتالي:
طفل تبين فيما بعد أن عمره لا يتجاوز الستة عشر سنة، يقتاد معصوب العينين إلى مصيره المحتوم.
"الجندي": يا ولد انت من من .. من عيلة أبو سننه؟
الطفل: لا والله من العوابدة
"الجندي": ايوه.. ارميلي يعني.. وشمال الماسورة.. صح؟
الطفل: غرب الماسورة ساكن.
"الجندي": غرب الماسورة.. اه.. عند عائلة الصياح؟
الطفل: اه..
"الجندي": وين جدك ساكن؟
الطفل: ساكن في النعامية.
"الجندي": ساكن في النعامية.. صح؟
الطفل: أيوه.
"الجندي": طيب.. تعال..
فإفراغ للرصاص في جسد الفتى الممدد على الأرض بعد نزع العصابة عن عينيه.
القاتل سيناوي والمقتول سيناوي، والتفاصيل الواردة في المحادثة تبين أن أحدهما على الأقل عالم بخبايا الثاني وقبيلته. وفي مجتمع قبلي كمجتمع سيناء، يتحول الثأر إلى إرث عائلي يتوارثه الصغار عن الكبار. فلمصلحة من يتم هذا التجييش بين القبائل والأفراد.

عندما قتل سليمان السيناوي خطأ شقيق الرائد حمزة في كمين، وبعد دفن المتوفي يسلم حمزة على رئيسه في العمل بحرارة..
حمزة: أن عايز اتنقل المكافحة (يعني مكافحة المخدرات)
الرئيس: نتكلم في الموضوع بعدين.
حمزة: ورحمة أخويا انقلني للمكافحة يا افندم.. ورحمة يحيى..

وكذلك كان بالرغم من علم الرئيس أن رغبة حمزة هي الانتقام لمقتل أخيه. لكن الأكيد أن الرغبة في الانتقام من السلطة ممثلة في جندها وشرطتها هدف مرسوم من الجهة المقابلة في المعادلة.
يوقف الرائد حمزة الفتاة شادية، التي كانت برفقة سليمان المتهم بقتل أخيه، ويبدأ في سؤالها. يجتمع حولهما عدد من أبناء المنطقة.

الأول: مين الجدع ده يا شادية؟ انت بتعرفيه؟
شادية: والختمة الشريفة معرفوش.
الأول: مين انت؟
حمزة: أنا يا سيدي الرائد حمزة أبو العزم من مكتب مكافحة المخدرات.. ارتحت؟
الثاني: شو بده هذا؟
الأول: بيقول أنه ضابط في مكافحة المخدرات.
الثاني: لو كان معاه مخدرات سيبوه..
الثالث: لف لنا سيجارتين.    
حمزة: الف لكم سيجارتين؟ طيب، يالله يا خويا انت وهو لموا نفسكم بقه وشوية الصيع ايلي معاكم دول وتوكلوا على الله بدل ما أعمل لكم قضية.
الثالث: ان كان ضابط بجد متسيبهوس.. قطعوه.. انتم ناسيين ايلي عملوه فينا.
الأول: روحي انت يا شادية.
حمزة: تروح فين؟
يخرج سلاحه فيرتمي عليه الآخرون.
الثاني: انت فاكر أن السلاح ايلي معاك ده حيحميك؟
وبينما يهم الجمع بالفتك بحمزة، طلق ناري من سلاح سالم المسلمي الحقيقي يوقف المشهد.
سالم: ما حدش يلمسه.. هذا في حمايتي.

إلى متى سيحمي المسلحون وتجار المخدرات قوات الأمن من غضب السكان؟ وأي مصلحة للأطراف تلك في هذه المعادلة التي لا يدفع ثمنها إلا الضعفاء قتلا وتهجيرا وتجويعا؟
في بداية فيلم (المصلحة) كتب القائمون على إنتاجه عبارة مفادها: القصة مستوحاة من أحداث حقيقية ولكن أسماء الشخصيات ليست كذلك وإن حدث أي تشابه فهو من قبيل الصدفة.

في الفيلم المسرب على قناة مكملين، الأحداث حقيقية والأسماء أيضا لكن سلطة الانقلاب تريدها تشابها ومجرد صدفة كما تروج له بعض أذرعها "الإعلامية" فالمعركة معركة إعلام أيضا.
على خلفية نشرة أخبار لقناة الجزيرة الإخبارية يدور الحوار:
سالم: يا باي.. كلما بشوف الجزيرة أحس أن الدنيا مولعة
أبو فياض: خلاص.. حوِّل.. ممكن الدنيا تهدا
سالم: لأ.. بلاها خالص.
هذا ما يراد بالضبط للشعب المصري لشغله عن المخططات الحقيقية التي تراد لسيناء ومن خلالها جغرافيا البلاد شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، خصوصا مع ظهور قنوات على مقاس أمن الدولة والمخابرات استحضارا لخلود إعلام عبد الناصر كما يحلم به قائد الانقلاب.
التعليقات (2)
هشام علوان
الجمعة، 28-04-2017 10:50 م
عشان ماننساش .. اصل المشكلة ان السيناوية كانوا بيفجروا خطوط الغاز لمنع العسكر من سرقته وبيعه لاسرائيل اصل الحكاية ان السيناوية كانوا بيفجروا خطوط الغاز لمنع العسكر الخونة من سرقته وبيعه لاسرائيل
أيمن عصمان ليبيا
الجمعة، 28-04-2017 01:29 ص
إجابة لسؤالك سيدي الكاتب : لمصلحة الكيان الصهيوني ، أحسنت