ظهرت الأنظمة الاقليمية أو الوطنية أشد بشاعة وإجراما من كل الجيوش المستعمرة، فما كانت الجيوش الغربية باستثناء الجيش الروسي قادرة على ارتكاب الجرائم المتوحشة التي ارتكبت في حق شعب سوريا مثلا. وما كانت جيوش المنظومات الديمقراطية قادرة على حرق المتظاهرين في الشوارع كما فعل نظام الوكالة العسكرية في مصر. الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء.
لن تفلح مواسم الرياض في منع الشعوب من المطالبة بحقوقها الأساسية وعلى رأسها الحق في التعبير وفي المشاركة السياسية ولن يفلح قمع المتظاهرين الإيرانيين في إيقاف مطالب الجماهير بوضع حد لمهزلة حكم الملالي القمعي المتخلف..
في أوروبا تفرض المجتمعات والسلط على الأجانب احترام لغتها وثقافتها وقوانينها وتقاليدها، وهو أمر طبيعي في دول تعمل على صيانة وحدتها الاجتماعية والثقافية واللسانية بشكل عام. فالمهاجر الجديد يجب أن يتقن لغة البلد الذي يعيش فيه وينضبط وفق قوانينه ومنواله الثقافي..
ستبقى كأس العالم العربية 2022 حاضرة في ذاكرة الأجيال لعقود طويلة لا لأنها أول كأس عربية فقط بل لأنها مثلت منعرجا تنظيميا وجيوستراتيجيا كبيرا وهو الأمر الذي يفسر الهجمة المرعبة التي تعرضت لها قطر خلال عشر سنوات منذ بدء إسناد التنظيم..
الكأس في قطر حديث العالم اليوم لا بحجم الإبهار والنجاح الذي حققته الدوحة بما هي اليوم وجه العرب وصوتهم وصورتهم فقط، لكنه أيضا بفعل ما حفّ بأول كأس عربية من جدل تداخل فيه السياسي بالرياضي بالدبلوماسي بالثقافي العقائدي وخاصة بالبعد الحضاري.
الخوف كل الخوف من أن يغري المنوال القطري دولا عربية أخرى بالاستفاقة وتحويل ثرواتها البشرية والطبيعية الضخمة في مصر وليبيا والجزائر والسودان والعراق والمغرب وتونس واليمن... إلى روافع لنهضة حضارية شاملة..
لم تكن الجامعة في أصل نشأتها إلا أداة استعمارية خارجية للتحكم والتوجيه حيث يتسنى لها إدارة القرار العربي وصياغته بما يتماشى مع مرحلة الاستعمار الجديد أو الاحتلال غير المباشر الذي دشنته المنطقة مع ما يسمى الدولة الوطنية أو دولة الاستقلال..
ممنوع على شعوب المنطقة وعلى دولها أن تحقق أي نجاح خارج عن الإطار الذي أقره سايكس بيكو ومن وراءهما. ممنوع على حكام المنطقة الخروج عن شروط الطاعة حتى ولو كان ذلك في إطار المنافسة على تنظيم فعاليات عالمية..
كثيرة هي القراءات التي تؤثث المشهد وتبحث عن تفسير للكارثة التي حلّت بالوطن والثورة: فكيف لشعب كان ملهما لشعوب العالم أن يستكين ويصمت ويرضى بتغوّل الاستبداد وعودة آلة القمع بأشد مما كانت عليه.
السؤال هو التالي: لماذا استبسلت الأذرع الإعلامية العربية في تدمير كل محاولات التغيير للخروج من دائرة الاستبداد رغم تضحيات الشعوب؟ ولماذا خانت رسالة الإعلام المقدّسة واصطفت إلى جانب قوى الموت الجاثمة على صدر الأمة؟
السؤال هو التالي: لماذا حافظت بريطانيا على نظامها الملكي من جهة وقامت من جهة ثانية بتفتيت كل الممالك الأخرى في بلادنا بدءا بالخلافة العثمانية ثم تصفية ما أمكن من الملكيات العربية في مصر والعراق بشكل خاص؟
أغرب ما في نهايات المشروع القومي العربي حقائق لا تصدّق: كيف يكون المشروع قوميا عربيا وهو يشتغل بالوكالة عند المشروع الصفوي الفارسي؟ كيف يكون مشروع الخميني القائم على سبّ صحابة رسول الله وأمهات المؤمنين متقاطعا مع المشروع القومي العربي ومحور المقاومة والممانعة؟
كثيرة جدا هي الصروح التي تهاوت فسقطت أمام أعيننا، مرجعيات ومدارسُ ومذاهب وشخصيات وقامات.. كنّا نعدّها إلى وقت قريب مراجعَ وقيادات تُنير السبيل لشعوب الأمة فإذا هي أخطر خناجر الاستبداد وأشدها فتكا..
لن يكون تحرير الأرض ممكنا قبل تحقيق شرط التحرّر الفردي والجماعي من الاستبداد بما هو الحليف الموضوعي والطبيعي للاحتلال خاصة أن السياق الفلسطيني صار سياقا مخترَقا تتصارع على السيطرة عليه قوى إقليمية عديدة..
إن القابلية للانقسام تعني أنّ هذه الشعوب لم تبلغ مرحلة المناعة من عدوى الاستبداد وأنها لا تزال تعيش أطوارا سابقة للنضج الاجتماعي والقدرة على تأمين مسارات الحرية والتحرر وهي المسؤولية التي تقع على عاتق النخب التي نجحت عبر تشرذمها وانقسامها في التمكين لعودة الدكتاتورية..
لقد عرفت كل الثورات عبر العالم ثورات مضادة تعمل على استعادة النظام القديم وإحياء الاستبداد وهو الشرط الضروري الذي سينتجُ حتميا ردة فعل تصحيحية تسترجع مكاسب المنجز الشعبي اليوم أو غدا. رَدّة الفعل هذه ليست مشروطة بمدّة زمنية..