نتجه حثيثا إلى استكمال سنة من الانقلاب وخلالها عاين الجميع أن الانقلاب لم يترك رذيلة في حق الديمقراطية إلا ارتكبها لكن أنصار الحرية والديمقراطية بقوا مترددين ينتظرون أن يسقط الانقلاب من تلقاء نفسه..
التغيير لم يشمل المواقف السياسية للنخب. ولذلك فإني أدقق السؤال كما يلي: هل النخبة التونسية ترفض التغيير؟ وأرى التغيير يحدث في مكان آخر بقوم آخرين ليس لهم لسان فصيح بعد..
تواضع أستاذي أبو يعرب المرزوقي فرفعني إلى درجة الزمالة، وما هي إلا زمالة إدارية فمؤجرنا واحد، إذ له عليّ سابقة العالم وعليّ له إخلاص المتعلم، وذلك في رده على مقال نشرته بموقع "عربي21"
وماذا بعد نقض الوهم الجميل؟ هل نرتكس إلى الإحباط المطلق؟ إني أفضل عوض الذهاب وراء الحلم بأمة متخيلة لدور متخيل عدم تجاهل العوائق الداخلية، أي العودة إلى سؤال آخر في العمق
الموقف الأسلم سياسيا أن نترك الأزمة تأكل صناعها، لذلك فإن التكالب على حوار وطني خطأ تكتيكي واستراتيجي، لم يتعلم شيئا من فشل حوار 2013. موازين القوة المادية متفاوتة نعم، ولكن موازين القوة الأخلاقية راجحة لمصلحة الديمقراطية وأنصارها..
لقد تطلبت الساحة السياسية المفتوحة لتيار شبابي واسع وغير متحزب قبل الثورة قيادات سياسية جديدة وعمل حزبي ديمقراطي. لكن القيادات التاريخية التي استفادت من التقديس القديم ظلت متمسكة بالواجهة وبطرقها السابقة على الثورة واعتبرت كل نقد لها هو طعن في شرعيتها التاريخية. وصادرت بذلك كل أمل في تغيير النخب.
الانقلاب فاشل والجميع فقد الأمل، منه لكن معارضيه خائفون مترددون ويحسبون حسابات تجار صغار ولا يريد أي منهم دفع كلفة المعارضة، هكذا كان الأمر زمن ابن علي وهو يتكرر أمام أعين العالم
الرابط بين حديث فرقاء السياسة العقلاء أو من فيهم بقية من رصانة أن الانقلاب انتهى سياسيا وأخلاقيا، وقد ظهرت كل علامات الانهيار الاقتصادي المؤذنة بسقوطه. وكلهم يقولون على الخاص وعلى العام إنها مسألة وقت، لكن أمام السؤال الجارح: لماذا لا تخرجون إلى الشارع خرجة أخيرة تعصف به وتستعيد الدولة ومؤسساتها؟
اللحظة التونسية تتسارع وتوشك أن تسفر عن وجه جديد دون الانقلاب، لكن الخلاف العميق بين مراكز القوة يوشك أن يفضى إلى وضع قلق آخر؛ سماته الاضطراب الاجتماعي وغياب موقف وطني يحمي سيادة البلد من السفارات، ويفتقر إلى حلول مالية سريعة إلا بمزيد من التداين
كل المؤشرات وخاصة استقالة مديرة ديوانه الكاشفة لصراع مميت داخل أروقة القصر تدفع إلى رفع نسق الاستعداد لما بعده، ومن لم يلتقط هذا أظن أن تهاونه في الشارع عجز لا تكتيك
سيظل هناك سؤال كبير: لماذا تنحصر تعبيرات الرفض حتى الآن في فئة محددة من النخبة السياسية، ونشاهد رغم تعسف الرئيس من يأتيه طائعا يبرر له أو يتظاهر بالحياد فلا يهتم بمصير البلد؟
أن يستعد الشارع للدفاع عن الديمقراطية فهذا حقه ما لم يجنح إلى عنف منفلت، أن تحمي القوة الصلبة المؤسسات فهذا واجبها، لكن إذا قُمعت حركة الشارع بقوة وشراسة كما هو متوقع فإن الثمن سيدفعه الانقلاب
غربال الثورة لا يزال يشتغل فيسقط منه أعداء الحرية رغم الانقلاب وآثاره الظاهرة. لذلك فإن العشرية السوداء كانت سوداء فقط على الخائفين من الحرية، أما الصابرون على الثورة فيتقدمون نحو المزيد من الحرية