ساري عرابي يكتب: هذا الغرق في تفسير الخطابات الأمريكية التي تأخذ شكل التسريب، وتبدو أكثر نعومة في التصريحات الرسمية حين حديثها عن تباينات مع حكومة بنيامين نتنياهو، يصرفنا أولا عن كون هذه التباينات غامضة، وعن كون غرقنا في تفسيرها انعكاسا لعجز هذا العالم، الذي ينتظر أدنى إشارة تحوّل تافهة من الولايات المتحدة..
ساري عرابي يكتب: تبدو الأمور كاليوم الأوّل، أمريكا تلصق كتفها بـ"إسرائيل" قتلا وتجويعا للفلسطينيين في غزّة، المختلف فقط، هو أنّ الموقف العربي الرسمي أشدّ سوءا من اليوم الأوّل، ولا يبدو أن مليارات الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي التي هطلت على مصر مرّة واحدة بعيدة عن ذلك، تماما كمليارات صفقة رأس الحكمة..
ساري عرابي يكتب: نتنياهو بعد أول مجزرة في غزّة نام مطمئنا، واستفاق ممتلئا بالاكتفاء من النوم الهادئ. نتنياهو لم يخش أيّ ردّ فعل عربيّ، ليس من موقع الخبير الناظر من بعيد لأحوال العرب وحكوماتهم، بل من موقع المهندس الذي يرتّب أوضاع المنطقة من على طاولة واحدة مع أنظمة عربية. ورث نتنياهو علاقات سلام مع دول عربية، ثم صنع هو مع بعض الدول العربية اتفاقات تطبيع تحالفية لم تكن لتخطر على بال أكثر الفلسطينيين تشاؤما ويأسا من النظام العربي، وذلك سوى العلاقات السرّية
ساري عرابي يكتب: أمريكا هذه التي فعلت ذلك كلّه تعجز عن فرض تدفق المساعدات برّا إلى المسرح الذي شيدته بنفسها! ثمّ يجد العالم نفسه متسائلا: لماذا تلقي الولايات المتحدة جوّا المساعدات على الذين قتلتهم وجوعتهم وشردتهم ودمّرت حياتهم؟!
ساري عرابي يكتب: هذا الأمر بحاجة إلى قدر كبير من الحذر حين الحديث عنه، لأنّه متصل بالنوايا الأمريكية الغامضة، والتي لم تزل تعطي إشارات متناقضة بخصوص هذه الحرب ومآلاتها، ولأنّ الولايات المتحدة تصوغ اقتراحاتها على طاولة واحدة مع الإسرائيلي، فالحرب حربها..
ساري عرابي يكتب: ما الذي يجعل أمريكا مرتبكة ومتناقضة إلى هذا الحد إزاء حرب دولة يفترض أن أمريكا تملك نفوذا عليها، كما أنّ هذه الإدارة قدمت لـ"إسرائيل" في حربها ما يجعلها قادرة على فرض موقفها إن أرادت ذلك؟
ساري عرابي يكتب: لم يعد الأمر منحصرا في الامتناع عن إغاثة الفلسطينيين بالدواء والغذاء، ولكنه صار معلنا في مدّ الإسرائيلي بمقوّمات الاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني..
ساري عرابي يكتب: يمكن قول الكثير في تفسير الإصرار الإسرائيلي على كشف كلّ ما يجري بينه وبين شركائه العرب، لكن ما يهمّ الآن هو هذا الإذلال الذي يمارسه على هؤلاء الشركاء..
ساري عرابي يكتب: لا يمكن فصل هذا الإجراء الذي يحرم "الأونروا" من أكثر من 80 في المئة من تمويلها؛ عن الحرب الجارية على أكبر معسكر للاجئين الفلسطينيين، والذي هو قطاع غزّة، ممّا يعني أن قرار الدول المذكورة، يندرج في سياق تعزيز الجهد الحربي الإسرائيلي، وتشديد الحصار على الفلسطينيين، وذلك لكون المساعدات الداخلة إلى قطاع غزّة في أثناء الحرب تُوزّع من خلال "الأونروا"، الأمر الذي يعني أن العقاب المفروض على الوكالة؛ بالضرورة يفضي إلى تقليص المساعدات أثناء الحرب
ساري عرابي يكتب: لا جديد في الموقف العربيّ وبلادته، الفرق هذه المرّة في حجم المذبحة، وفي كونها مشاهدة بالبث الحيّ ومباشرة في زمن الإنترنت والبث الفضائي، وأنّ النظام العربيّ هذه المرّة صريح في الانحياز العمليّ إلى "إسرائيل"، فلم نعد في زمن المقاطعة العربية لـ"إسرائيل"، بل في زمن التطبيع العربي التحالفي معها
ساري عرابي يكتب: لا شيء أثمن ولا أقوى من هذا الصمود، ينتزع به المرء إنجازه، أو في أقلّ الأمر يحافظ به على كرامته واحترامه لنفسه، لذلك، لا عجبَ أنّ بعض المثقفين والمعقبين على الشأن العام، وعلى هذه الحرب الدائرة، حتى من موقع الانتصار للمظلومين، لا تجد لهم في رؤاهم القلقة والمضطربة مكانة للصمود؛ قيمة ومعنى
ساري عرابي يكتب: في مقابل إهانة الفلسطيني وتحقيره كان دائما تبجيل المستعمر من حيث "تحضّره وتقدّمه"، وما يوفّره التطبيع معه من فرص للازدهار، مقابل ما تسبّبه القضية الفلسطينية من خراب! وذلك كلّه كان يأتي بلا سياقات واضحة، مما يعني أن تحطيم القضية الفلسطينية كان مشروعا فعّالا باستمرار على أجندة نخبة الحكم الراهنة في بعض البلاد العربية.
ساري عرابي يكتب: حقّ الشعب الفلسطيني، بحسب ترتيب الراشد، يأتي في ذيل الأهداف، لأنّ هذا الهدف الذيلي مُقدّمة لأهداف أهمّ، وهي منع وجود مثل حماس ولضمان الأمن الوجودي لـ"إسرائيل"، التي يبدو وكأنّ وجودها أكثر أصالة من حقّ الشعب الفلسطيني "المكتسب بقرارات الأمم المتحدة"!..
ساري عرابي يكتب: نقاش الهدن الإنسانية غير المشروطة، لا سيما إن كانت قابلة للتمديد ولأن تكون أساسا لوقف إطلاق النار، مختلف عن مناقشة المقترحات المُقدّمة أخيرا، أمّا ملف الأسرى فالتعاطي معه في ظلّ إطلاق النار هو تعاط مع حاجة إسرائيلية لا فلسطينية، وأيّ حديث عن ترتيبات سياسية مع استمرار إطلاق النار عبث وانخراط في الجهد الحربي الإسرائيلي لتحقيق أغراضه السياسية
ساري عرابي يكتب: من الواضح أنّ النقاش الرافض لتلك التصوّرات كلّها، من أعلاها تفاؤلا إلى أكثرها استعدادا للأخذ بالمقترحات المسماة تاريخيا بالواقعية، هو نقاش في واقعيتها، وعليه فليس ثمّة معنى للجهد الذي يبذله بعضهم عادة للتبشير بالواقعية، فالواقعية في المضمون وفي الإمكان، وليست في المبدأ..
ساري عرابي يكتب: توفّر الملحمة الغزّية، وعلى فداحة هولها؛ فرصة مجدّدا لأجل استئناف حالة سياسية شعبية تنهض بالجماهير العربية في مواجهات سياسات الطمس والهندسة، وهذا لا يتأتّى إلا من الوقوف المباشر على أسباب الخلل، والدفع نحو أفكار لتطوير التنظيمات..